التناقض بين المدح والواقع التاريخي للسابقين
بسم الله الرحمن الرحيم (وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلْأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَٰجِرِينَ وَٱلْأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَٰنٍۢ رَّضِىَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍۢ تَجْرِى تَحْتَهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ) ظاهر الآية الشريفة مدح كل من كان سابقاً للهجرة ولكن فيهم من غصبوا حق أهل البيت بعد رحيل النبي وانقلبوا على الأعقاب وارتكبوا الكبائر وغيروا السنن، فكيف يكون ذلك؟
ان المراد بالسابقين الأولين من أقام على طاعة اللَّه ، ومات على سنة رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) ، أما من عصى وأساء بعد السبق فلا تشمله مرضاة اللَّه ، كيف ؟ وهو القائل : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ولا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا ولا نَصِيراً} [النساء - 122] . والقائل : { لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهً سَرِيعُ الْحِسابِ} [إبراهيم - 51] . وروى البخاري في الجزء التاسع من صحيحه ، كتاب الفتن : « ان رسول اللَّه ( صلى الله عليه وآله ) يقول يوم القيامة : أي ربي أصحابي . . فيقول له : لا تدري ما أحدثوا بعدك . . فأقول : سحقا سحقا لمن بدل بعدي » . ملاحظة أخرى؛ أن ﴿من﴾ في قوله : ﴿من المهاجرين والأنصار﴾ تبعيضية (فتنبه جيدا ) فالبعض وليس الكل هم الذين نالوا الفوز والثناء، فالآية تذكر أن الله رضي عنهم ورضوا عنه ، والقرآن نفسه يذكر أن منهم من في قلبه مرض ومنهم سماعون للمنافقين ، ومنهم من يسميه فاسقا ، ومنهم من تبرأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من عمله فلا معنى لرضى الله عن البعض الفاسق و المنافق من المهاجرين و الانصار ، مع العلم بأن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين . ملاحظة أخرى ؛ أن الحكم بالفضل ورضى الله سبحانه في الآية مقيد بالإيمان والعمل الصالح على ما يعطيه السياق فإن الآية تمدح المؤمنين في سياق تذم فيه المنافقين بكفرهم وسيئات أعمالهم ويدل على ذلك سائر المواضع التي مدحهم الله فيها أو ذكرهم بخير ووعدهم وعدا جميلا فقد قيد جميع ذلك بالإيمان والعمل الصالح كقوله تعالى ﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم - إلى أن قال - وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما﴾ [الفتح : 29] . والسلام عليكم